السؤال:
السلام عليكم أنا مصري أعمل في جدة، تزوجت منذ 5 شهور من امرأة أكبر مني بسبع سنوات، وكانت متزوجة قبلي ولديها ولد وبنت، لم يوافق أهلي على زواجي منها، وهددوني بقطع صلتهم بي إن تزوجتها، منذ أن تزوجتها وهي تحاول الإيقاع بيني وبين أهلي، اتهمت أمي بعمل سحر لها، لم ننجب حتى الآن، تطلب مني باستمرار أن يكون اتصالي بوالدتي أمامها لأنها تشك في أمي، طلبت مني مفارقة أهلي فتمسكت بهم وتركت المنزل، هل أرجع أم أطلقها؟!!
الجواب:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
جزاك الله خيرا أخي الكريم على ثقتك في إخوانك في موقع المسلم.
ونسأل الله أن يجري الحق على ألسنتنا وأن ينفعنا به وأن يجعلنا من أهله الثابتين عليه حتى نلقاه.
أما بعد أخي الكريم:
فمشكلتك التي أرسلتها لم تبدأ معك اليوم، بل بدأت منذ وقت مضى، وبالتالي لابد من ذكر أصول المشكلة لا فروعها الحالية فقط لكي نستطيع أن ننظر لها النظرة الصحيحة لنحكم على الأمر وفق ما ييسر الله به.
وتلخيص المشكلة كما يلي في نقاط:
- أخ مغترب منفرد، وأراد التزوج في بلد يجد نفسه وحيدا فيه.
- أراد التزوج من امرأة ثيب أكبر منه بسبع سنوات، ولديها ولد وبنت لم يذكر أعمارهما، ولم يذكر كونها مطلقة أو أرملة، ولم يذكر أيضا حاله هو، فهل كانت هذه المرأة هي الزوجة الأولى له أم كانت له تجارب زواجية قبلها.
- تحاول زوجته منذ زواجه- وفق قوله- الإيقاع بينه وبين أسرته وهو يتأبى على ذلك، وذلك وفق ممارسات كثيرة ذكرها من زوجته.
- اتهام الزوجة للام بفعل السحر للتفريق بينهما
- وصلت الخلافات بينهما لحد كبير بعد خمسة أشهر فقط من زواجهما.
- يطلب السؤال هل يفارقها أم يرجع لها بعد ابتعادهما في المنزل لرفضه سماع تعليماتها بمفارقة أهله.
وأجمل ردي أخي الفاضل في نقاط:
- حسنا فعلت- وحسنا يفعل كل مغترب- أن يبحث عن زوجة لتشاركه في وحشة غربته، ولكي يغض بها بصره ويحصن فرجه، فأشد على أيدي كل مغترب ألا يترك نفسه بلا زوجة لإبعاد وغلق كل سبل الشيطان إليه، والمغترب يكون في موقف ضعف شديد نتيجة وحدته وغربته عن أهله، وربما يستسهل ما كان يعتبره عسيرا في بلده، وقد كان من مكرمات يوسف عليه السلام أن عصمه الله من الفتنة التي اشتدت عليه في غربته عن أهله وبلده وموطن كل معارفه.
- أغلب الظن أخي الكريم أنها كانت الزوجة الأولى لك وخاصة أن عمرك فوق الخامسة والعشرين بقليل، فلا أدري المصلحة التي رجحتها في تمسكك الشديد بزواجك من امرأة تكبرك سنا وهي في نفس الوقت ثيب ليست بكرا وعندها أولاد من رجل غيرك، وربما ساعدني على اعتقادي هذا شدة معارضة أهلك لك لدرجة أن هددوك بقطع العلاقة معك إن تزوجتها، والذي اعلمه أن الرجل يضع في حسبانه عند زواجه عدة صفات في المرأة التي يود الزواج منها، فيفضل الصغيرة على الكبيرة، والبكر على الثيب، ومن لا ولد معها على من لديها أبناء.
ولنا في هذا استئناس بقول النبي صلى الله عليه وسلم لجابر رضي الله عنه حين سأله عن زواجه بامرأة ثيب فكما يروي البخاري قول جابر: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي حين استأذنته: «هل تزوجت بكرا أم ثيبا؟» فقلت: تزوجت ثيبا فقال: «هلا تزوجت بكرا تلاعبها وتلاعبك». قلت: يا رسول الله توفي والدي أو استشهد ولي أخوات صغار فكرهت أن أتزوج مثلهن فلا تؤدبهن ولا تقوم عليهن فتزوجت ثيبا لتقوم عليهن وتؤدبهن. فكانت تلك المصلحة التي رجحها جابر رضي الله عنه، وأنت لم تبين لنا أية مصلحة في زواجك بها.
- ثم عصيت أهلك وتزوجتها رغما عنهم، ورغم تهديدهم الذي لم يفلح معك، وكان الأولى بك أن تسمع أمرهم في ذلك دون أن تكابر وتفعل ما زُين لك لحظتها، ففي الصحيح أن الخليل إبراهيم أشار مجرد إشارة لولده إسماعيل أن يغير عتبة بابه (كناية عن أمره بتطليق زوجته)، فطلقها إسماعيل امتثالا لتلك الإشارة، وفي الصحيح أيضا عند ابن حبان والحاكم أن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: كانت تحتي امرأة أحبها، وكان عمر يكرهها. فقال عمر: طلِّقها. فأبَيْتُ. فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم. فقال: «أطِع أباك، وطلِّقها». فطلقتُها، وهذا بعد زواجهما فكيف بمن كانت مجرد وعد أو اتفاق لم يرق لمستوى انعقاد العقد فعلا؟!!.
- إن السلوك الأقوم لكل امرأة- وخاصة عند بداية زواجها- أن تحاول الوصول لقلب زوجها وامتلاكه عن طريق إحسانها إلى أهله وتقريبه منهم إذا كان مبتعدا، وإن أسرع الطرق لفقدان ذلك الزوج أن تظن المرأة أنها بزواجها من رجلها أنها قد امتلكته، وأنه أصبح بعد الزواج ملكية خاصة بها وينبغي عليه أن يكون خالصا لها، وأن ينقطع تماما عن أهله وذويه ويعاديهم من أجل إرضائها، وهذا ما فعلته تلك الزوجة- بناء على قول زوجها صاحب الرسالة- وبالفعل أحالت بيتهما وحياتهما إلى جحيم لا يطاق وستصبح هي الخاسرة في نهاية الأمر، فالرجل- وخاصة المسلم الشرقي- لا يستطيع معاداة أهله لإرضاء زوجته مهما كانت محسنة له ومهما كان أهله مسيئين معه، وبالتالي فقد أخطأت الزوجة الطريق وأوتيت من حيث لم تحتسب، فجاءت سيطرتها واستعداء زوجها على أهله في غير ما أرادت، ولهذا يجب أن تنتبه كل زوجة تتبنى هذا المنهج الذي يوصل في النهاية إلى خسران الزوج ككل.
- بالنسبة للسحر: فالسحر وارد في القرآن الكريم للتفريق بين الزوج وزوجه، فقال تعالى: {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّه}، ولكن لا يصح أن يتهم أحد به أحدا بغير دليل، لأنه كبيرة من الكبائر وموبقة من السبع الموبقات التي أمر النبي الكريم صلى الله عليه وسلم باجتنابها، ففي البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اجتنبوا السبع الموبقات». قيل يا رسول الله وما هن؟ قال: «الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات».
فإن كان معكم دليل قاطع على ذلك، فينبغي عليك أن تنصح أمك برفق بالتوبة عن هذا الفعل، وعليكم بالرقية بآيات القرآن الكريم وخصوصا بآية الكرسي والمعوذات والالتزام بالأذكار في كل موضع، وإن لم يكن مع زوجتك دليل فما أعظم جنايتها على أمك حين تتهمها بتلك الكبيرة بلا دليل وينبغي أن تأمر زوجتك بالتوبة النصوح من ذلك القول.
وأغلب الظن أن من تكون هذه الأفكار في السحر وغيره متملكة عليه حياته ويفسر كل قول أو فعل بها- وهو يصل عند أصحابه إلى درجة الشغف المرضي- أغلب الأحوال أن يكون ذلك الشخص هو من يقوم بذلك.
وأخيرا أخي أنت الآن مبتعد عنها سواء كانت هي المفارقة أو أنت- لأنك لم توضحها في رسالتك هل تقيم عندها في بيتها أم لك سكنك المملوك لك- فأنت الآن في لحظة تفكر فابحث عن السبيل الأكثر رضا لربك ولدينك- دون أن تظلم أحدا في حق، وأطع أهلك وكن معهم ولا تخسرهم، فالإنسان يجد عوضا عن زوجته في أية لحظة ولكن أنى له بأم أو أب بعد أمه وأبيه إن أغضبهما، وكيف له أن يفلح في حياته إن ماتا كلاهما أو أحدهما وهو غاضب على ولده؟!
نصيحتي لك أن تسعى جاهدا للتوفيق بينهما قدر استطاعتك، فإن استحال ذلك فلتنظر إلى زوجتك، فإن رأيتها صاحبة دين وخلق وتقوى وصلاح وطاعة لله سبحانه ثم لك وحسن تبعل وتؤدي حقوقك، فعندئذ ابق عليها وأحسن إلى أمك وافرض على زوجتك الإحسان إلى أمك واسترضاءها، وإن لم تكن زوجتك تتصف بتلك الصفات السابقة وكانت قليلة الدين، قليلة الطاعة، غير حسنة الخلق، تكدر عيشك وتؤذي أمك، فأطع أمك وفارقها فإن مفارقتها عندئذ فضيلة، والتعجيل بذلك أفضل قبل أن يقضى بينكما بولد، وفقك الله.
الكاتب: يحيى البوليني.
المصدر: موقع المسلم.